كما نعلم تعد حاسة الشم واحدة من الحواس الضرورية جدًا في حياتنا اليومية حيث أن الروائح المختلفة تجلب العديد من العواطف وأحيانًا تعيد لنا بعض الذكريات لذا فإن حاسة الشم ضرورية من النواحي الفيزيائية والنواحي العاطفية. حاسة الشم تتطور مع نمونا حيث أننا نتعلم التمييز بين الروائح المختلفة التي من الممكن أن تكون بالنسبة لنا جيدة أو سيئة .
جميع ما ذكر أعلاه نشعر به ونحن على سطح الأرض ولكن ماذا عن رائحة الكوكب على سبيل المثال هل يوجد رائحة للفضاء؟ وإن وجد كيف ممكن أن تكون رائحته وبماذا يمكن تشبيهها بالروائح الموجودة على الأرض ؟ جميع هذه الاستفسارات سنجد الإجابة عنها في هذه المقالة الشيقة.
في الواقع الكون كله مصنوع من مواد موجودة على سطح الأرض لذلك من الطبيعي أن نقول أن الأشياء خارج كوكب الأرض لها روائح. نحن نعلم أن التوصل إلى حقيقة أن الكون له روائح أمرًا ليس كافيًا وذلك لأن الجميع لديه الفضول في معرفة كيف تكون الروائح في الفضاء الخارجي، لكن بفضل معرفتنا بروائح العناصر والمركبات الموجودة فيه سنتمكن من معرفة الروائح الموجودة في الفضاء .
هل رائحة مجرة درب التبانة تبدو كرائحة الشوكولاته:
عندما نتكلم عن الكون والفضاء الخارجي أول ما يخطر ببالنا دائمًا هو الحديث عن مجرة درب التبانة وبالأخص عن النظام الشمسي الذي يتواجد به كوكبنا.
في حال كنت تعتقد أن رائحة الفضاء الخارجي ستكون كرائحة الشوكولاتة الطيبة فإنك ستصاب بخيبة أمل، وذلك لأن الكون بطبعه يتألف من الكثير من الهيدروجين والهيليوم اللذان لا يوجد لهما رائحة من الأساس، والأمر لم يتوقف على ذلك، بل إن معظم جيران الأرض لديهم رائحة كريهة لذا في حال أصبحت السياحة الفضائية شائعة فإنها لن تكون بمواقع ذات خمس نجوم .
لذا عزيزي القارئ تمتع برحلتك على متن سفينتنا الفضائية ، سنقف أولًا على أقرب كوكب من الشمس وهو كوكب عطارد، لا تنغر باسمه الذي يعني الزئبق لأنه لا يمت لهذا الاسم بأي صلة ولا يتكون من الزئبق أساسًا، حيث أنه يتكون من الحديد بنسبة 70% وغلافه الجوي غني بالصوديوم والبوتاسيوم والهيدروجين، كما أنه يحتوي على الأكسجين و الهيليوم وعلى الرغم من وجود هذه المواد العديدة فيه إلا أن هذا الكوكب لا يوجد له رائحة.
ننتقل إلى محطة توقف ثانية خلال رحلتنا الفضائية وهي كوكب الزهرة الذي له رائحة شبيهة برائحة البيض الفاسد، وهذا دليلا كافيا على أن الأسماء في كثير من الأحيان تكون خدّاعة، ويرجع السبب في هذه الرائحة الكريهة إلى السحب التي تتكون من حمض الكبريتيك الذي يتسبب في سقوط الأمطار الحمضية المتفرقة.
أما المحطة الثالثة التي سننتقل إليها هي كوكب المريخ (الكوكب الأحمر) الذي يعد مصدر إلهام الكثير من كاتبي الروايات والأفلام، لدى هذا الكوكب أيضًا رائحة كرائحة البيض الفاسد وذلك أيضًا بسبب حمض الكبريتيك الذي يتواجد فيه. بالإضافة إلى ذلك فإن الرمل المريخي له رائحة كرائحة المعدن نتيجة لتواجد الحديد و الصدى فيه. لذا فإن كوكب المريخ يعد كوكب ذو رائحة كريهة ،لذا لا تفكر أبدا أن السفر في الفضاء الخارجي سيساعدك في التخلص من استنشاق الروائح الكريهة.
هذا يبدو غريبًا لكن جزءًا كبيرا من نظام المجموعة الشمسية له رائحة شبيهة برائحة البيض الفاسد التي تنتج عن الهيدروجين المكبرت الذي من الممكن إيجاده أيضا بكميات زهيدة في في اعماق الغلاف الجوي للمشتري.
من الجدير ذكره أن معظم الغلاف الجوي للمشتري يتكون من الهيليوم والهيدروجين المركزة في القسم العلوي وتعتبر هذه الغازات بلا رائحة لذا لن تستطيع شم أي شيء. لكن بالتعمق وصولا إلى نواة هذا الكوكب الضخم ستصدر غازات ذات روائح كريهة. على سبيل المثال يوجد هناك أجزاء من الغلاف الجوي للمشتري تحتوي على غاز الأمونيا الذي يصدر رائحة كرائحة حمام عام مهمل.
والكوكب التالي هو كوكب زحل الذي يعتبر شاذ عن الكواكب الأخرى بحيث أنه لا يوجد له أية روائح لأنه يتكون من الغازات التي لا يوجد لها رائحة كالهيدروجين والهيليوم وكميات زهيدة من غاز الميثان.
نواة زحل مغطية بمواد صخرية لها رائحة معدنية لذا يوجد لها بعض الروائح لكنها تميل إلى كونها معتدلة إلى حد ما .
أحد أقمار زحل يدعى تايتان يعتبر أيضا بلا رائحة بحيث يظلله غلاف جوي سميك مركب من غاز النيتروجين الذي لا يوجد له رائحة والميثان. وكذلك بحارهُ وبحيراته تتكون من غاز الميثان والإيثان الذي لا يوجد له رائحة .
وبالانتقال للكواكب البعيدة عن الشمس لدينا مفاجأة غير سارة أيضًا بشأن كوكب يورانيوس الذي له رائحة كرائحة البيض الفاسد وذلك بسبب غلافه الجوي الذي يحتوي على الهيدروجين المكبرت ونوعين آخرين من الغازات ذات الرائحة الكريهة. أما بالنسبة إلى نبتون فإن رائحته تعتبر طبيعية وذلك لأنه يحتوي على غازات لا يوجد لها رائحة الهيدروجين والهيليوم والميثان.
بالمختصر، معظم الكواكب البعيدة عن الشمس لا يوجد لها روائح مثل الكوكب الذي يدعى اوزاريس HD 209458b الذي يحتوي غلافه الجوي على الميثان والهيدروجين.
بالاتجاه إلى الكواكب البعيدة عن مركز النظام الشمسي التي لا تحصل على أشعة الشمس وبالتالي فإنها ستتكون من الكتل الجليدية. على سبيل المثال يتكون معظم سطح بلوتو من النيتروجين المجمد وبالتالي فإنك لن تستطيع شم أي شيء وربما تختنق وذلك بسبب كثافة الغلاف الجوي المنخفضة جدًا والغازات المكونة له عديمة الرائحة.
وبالاتجاه إلى أبعد من كوكب بلوتو سنجد كويكب Arrakoth والذي أيضًا لن نجد له رائحة وذلك بحكم بعده عن الشمس وتجمد جميع الغازات المكونة له لكن في حال قمنا بتذويب المواد المكونة له كالميثانول فإننا سنحصل على رائحة الكحول وفي حال قمنا بتذويب الهيدروجين سنحصل على رائحة كرائحة اللوز التي تعتبر رائحة جميلة بالنسبة لجسم في الفضاء.
رحلة اكتشاف الروائح البعيدة عن المجموعة الشمسية
الروائح الموجودة بعيدًا عن النظام الشمسي لا تبشر بالخير حيث أنه يوجد الكثير من غاز الأمونيا في الفضاء بين النجوم في الأجرام السماوية ك Orion A و W43 ومن الجدير ذكره أن رائحة الأمونيا ليست جيدة بتاتا لدرجة انه لا يوصى بتجربة شم رائحته وذلك لأنه من الممكن أن يسبب مشاكل في الأنف والحنجرة.
معظم السدم التي تعد سحابات غاز منتشرة بين النجوم في الفضاء تحتوي على صيغة مؤينة من الكبريت ذو الرائحة الكريهة والذي بدوره يكسب هذه السدم رائحة كريهة جدًا تشبه رائحة البيض الفاسد لدرجة أن العلماء أطلقوا عليها مصطلح ” سدم البيض الفاسد” .
في النطاق الواسع لقياس الأمور نجد أن الكون بالمجمل عديم الرائحة أي أنه عبارة عن فضاء فارغ و كبير جدًا وحتى المناطق التي لا تكون فارغة فإنها تكون مكونة من غازات الهيدروجين والهيليوم عديمة الرائحة بنسبة 99.9% من الكون لذا في حال ذهبت إلى الفضاء فإنك لن تلتفت إلى الروائح إلا في حال كنت من المحظوظين وتهبط في أماكن لها روائح طيبة كرائحة شراب الروم وتوت العليق الحلو.
رائحة الكحول في الفضاء
وجد فريق من الباحثون عام 2009 أن هناك منطقة كبيرة بين النجوم في الفضاء بالقرب من مركز مجرة درب التبانة تحتوي على تركيبة الإيثيل وهي عبارة عن مركب له رائحة تشبه رائحة شراب الروم وهذا المركب الكيميائي له رائحة أيضًا تشبه رائحة توت العليق الطيبة.
والمكان المناسب للاستمتاع بتلك الروائح الطيبة هو السحابة الجزيئية “القوس B2 ” وهناك العديد من الأماكن المماثلة لهذه السحابة مثل السحابة العملاقة الموجودة في مجرتنا درب التبانة السحابة الكحولية W3OH . من الجدير ذكره أن السحب لها رائحة كرائحة المشروبات الروحية وتحتوي أيضًا السدم على الميثال الكحولي الذي يعتبر سامًا بالنسبة للإنسان، لكن نسبة الكحول هذه في الفضاء هي 1 من مليون بسبب المقدار الهائل من الفراغ في الفضاء .
هل من الممكن أن نشم رائحة منعشة في الفضاء
لا شيء يضاهي رائحة المحيط المنعشة ورائحة العطل الصيفية على البحر وعلى الرغم من أن الأرض ليست المكان الوحيد في نظام المجموعة الشمسية الذي يوفر لنا الإحساس بمثل هذه الرائحة المنعشة إلا أنها هي الوحيدة التي نستطيع الوصول إليها.
ومن الأماكن التي من الممكن أن نشتم بها رائحة المحيط هي إنسيلادوس الذي يعد أحد أقمار كوكب زحل لكن أمر رؤيته ليس بذلك الأمر السهل بحيث انه عليك الحفر في الجليد على سطح هذا القمر على الأقل لعمق 2 كم .
ولربما يكون الأمر أسهل في أحد أقمار المشتري يوروبا الذي تحتاج للاستمتاع بمحيطه حفر الجليد المتواجد على السطح لأميال فقط بحيث ينتظرك استنشاق رائحة المحيط المنعشة .
ماذا عن الرائحة داخل المركبة الفضائية
هل في مرة سألت نفسك كيف تكون الرائحة داخل المركبة الفضائية؟ بعد ان تم عمل استفتاء لرواد الفضاء كانت أوصافهم تتراوح بين رائحة البارود أو الدخان المحترق إلى الرائحة اللطيفة.
مؤخرًا، علّق أحد رواد الفضاء على رائحة المركبة الفضائية دراغون التابعة لشركة سبيس إكس بأن رائحتها تشبه رائحة السيارة الجديدة ، لكن نظرًا إلى أن محطة الفضاء الدولية منشأة كبيرة فإن هناك العديد من الروائح المختلفة باختلاف الحالات. على سبيل المثال، القسم الأمريكي في محطة الفضاء الدولية له رائحة كرائحة البسكويت المخبوز حالًا.
وإذا كنت تتسائل عن الرائحة في داخل مركبة الهبوط التابعة لأبولو 11 ” إيجل” يبدو وكأنها التقطت رائحة غبار القمر التي تشبه رائحة البارود.
مهلاً، كيف تم اكتشاف تلك الروائح دون زيارة الأجسام الفضائية
مع تطور العلم تمكن الباحثون من إيجاد حيلة ذكية تُدعى المطيافية بحيث يقوم العلماء بتحليل الضوء المنبعث من النجوم والأجسام المختلفة الموجودة في الفضاء لإيجاد ما يُدعى ب خطوط الانبعاث التي تعتبر بصمات تقابل العديد من الكيميائيات، هذا يعني انه بتحليل الضوء أو الموجات الراديوية من الأجسام الفضائية سيتم التوصل إلى معرفة ما هي المواد المكونة لها.
لذلك نحتاج فقط إلى مقارنة الضوء المنبعث من النجوم أو الكواكب مع عينات من الضوء المنعكس أو المنقول من قبل العديد من المواد الكيماوية المختلفة في مختبرات الأرض. وتجدر الإشارة إلى أنه تم فحص تركيب معظم الأجسام الموصوفة في هذه المقالة بواسطة جهاز التحليل الطيفي ، سواء كان ذلك في الضوء المرئي أو الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء أو موجات الراديو
الملخص:
مختصر الحديث هو أن معظم الكون عديم الرائحة وذلك لأن 99% من المواد الموجودة في الكون تتألف من الهيدروجين والهيليوم ، وهناك بعض المناطق في الفضاء تحتوي على كميات عالية من الكيماويات التي لها رائحة، لكن أغلبها روائح كريهة نتيجة لتوافر الكبريت والأمونيا وهذا يعني ان قسم كبير من الفضاء له رائحة كرائحة البيض الفاسد.
على نقيض ذلك في بعض المناطق النادرة في الفضاء هناك بعض الروائح الجميلة التي تبدو كرائحة شراب الروم، التوت العليق ورائحة مياه البحر المنعشة. لذلك نأمل أن يجلب رواد الفضاء الذين سينطلقون في رحلة فضائية إلى المريخ معهم بعض محسنات رائحة الجو وإلا سيتحتم عليهم المعاناة من رائحة البيض الفاسد.
في طريقنا إلى الفضاء بين النجوم ، من المحتمل أن نتمكن أيضًا من لمح أجسام حزام كايبر التي تتميز برائحة اللوز.
وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة لمعرفة روائح الأجسام في الكون منخفضة نسبيًا ، إلا أنها لا تزال طريقة ممتعة للنظر في التركيب الكيميائي للكواكب أو المذنبات أو الكويكبات أو السدم. وفي الختام، هذه هي رائحة الكون أوعلى الأقل الأجسام التي نعرف عنها في هذا الكون الشاسع.