عبد الرحمن الخازني المكنى بأبي الفتح؛ هو العالم المسلم الفيزيائي والأحيائي والكيميائي والرياضي والفيلسوف الذي تأثر بالفلسفة الإغريقية البيزنطية؛ عاش بصحة وبنية قويتين ما بين عامي 1115 و 1155م. ينحدر الخازني من مدينة مرو الموجودة الآن في تركمانستان، ثم انتقل إلى مقاطعة خراسان التابعة للإمبراطورية الفارسية ثم عاد بعدها إلى تركمانستان. ولديه مساهات مهمة في الفيزياء و علم الفلك. واعتبر أعظم تلميذ تلمّذ في مدارس مدينة مرو.
كتب روبرت إي. هال التالي عن الخازني: ” لأن الخازني هو صانع الآلات العلمية باستخدام قانون إتزان الموائع، فإنه لا يترك مجالاً للشك بأنه يعتبر أعظم العلماء في أي زمن كان قديمه وحديثه”.
سيرة حياته
كان الخازني واحداً من الغلمان الإغريقيين البيزنطيين الذين خدموا في بلاط الأمراء الأتراك السلاجقة، حيث أخذ أسيراً من مدينته مرو بعد أن انتصر الأتراك السلاجقة في حربهم ضد الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع. أعطاه سيده الخازن أفضل تعليم ممكن في مواضيع الرياضيات والفلسفة. كان الخازني أيضاً طالباً لدى أشهر شاعر فارسي ورياضي وفلكي وفيلسوف: عمر الخيام (1048- 1131) والذي كان يقيم في مرو في ذلك الوقت.
بعدها احترف الخازني الرياضيات كمهنة له بتشجيع ودعم من المحكمة السلجوقية، في عهد حكم السطان أحمد سانجار. لا يعرف سوى القليل عن حياته، ولكنه كان يعرف عنه أنه كان يرفض المكافآت المالية وقام بإعادة مبلغ ألف دينار أرسلت له من قبل زوجة الأمير السلجوقي؛ وأنه كان يعيش عادةً على مبلغ 3 دنانير في السنة.
أعماله
ان عمله في التوازن الهيدروستاتيكي – عندما يتم موازنة السوائل في حالة الراحة بين الجاذبية وقوة التدرج بالضغط – أمرًا حاسمًا لتفسير سبب امتناع الجاذبية، على سبيل المثال، (الغلاف الجوي للأرض من الانهيار أو نشره في الفضاء).
توَّج اهتمام عبد الرحمن الخازني بالتفاصيل سمعته بين علماء الفلك، ربما يتضح ذلك بشكل أفضل من خلال عمله المكثف على الأوزان، والذي حدده على أنه القوة المتأصلة في الأجسام الصلبة التي تجعلها تتحرك، من تلقاء أنفسها، في خطٍّ مستقيم نحو مركز الأرض ونحو هذا المركز فقط.
باختصار ، كان عالماً فلكياً عالي المهارة انتقل من الإطار النظري إلى الأدوات العملية والمبتكرة والمفيدة لقياس ما يمكن حسابه، ودفع خلفاءه إلى تحسين اختراعاته العديدة.
أفكاره حول الجاذبية
د يكون الخازني أول عالم مسلم يقترح أنَّ جاذبية جسم ما تختلف باختلاف بعده عن مركز الأرض مستخدماً مصطلح “الثقل” ليعبر به عن مفهوم الجاذبية كما نعرفه اليوم، وقد عرَّف الخازني الثقل بقوله: “يتحرك الجسم الثقيل بفضل قوة ثابتة خاصة به تسحبه نحو مركز العالم، وهذه القوة هي ضمنية في الجسم لا تنفصل عنه ولا تحدث بدونه”، وقال أيضاً: “تعتمد جاذبيةُ كلِّ جسمٍ ثقيل معروف الوزن على بعده عن مركز العالم، بحيث أنَّه كلما ازداد بعد الجسم عن مركز العالم أصبح أكثر ثقلاً وكلما اقترب من مركز العالم أصبح أخف وزناً”، هذه الأفكار التي اقترحها الخازني عن الجاذبية وإن كانت بسيطة وغير مدعومة بأدلة رياضيَّة ولكنها كانت سابقة لعصرها بكثير وقد انتظر العام حتى القرن الثامن عشر حتى ترسَّخت قوانين الجاذبية على يد غاليلو غاليلي وإسحق نيوتن وغيرهم من علماء عصر النهضة الأوروبية.
كتاب ميزان الحكمة
ان كتابه “ميزان الحكمة” مجلدًا مختلفًا تمامًا واعتبر ضائعًا حتى عثرَ عليه نيكولاي فلاديميروفيتش
خانيكوف وهو القنصل العام للإمبراطورية الروسية في إيران بين عامي 1845 و 1859 م، والمخطوطة النادرة متواجدة في تبريز.
في عام 1859 م؛ نشر خانيكوف مقالًا عن الكتاب في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية، يصف أهمية محتوياته في الميكانيكا والفيزياء.
عرّف الخازني الثقل بالمفردات الأرسطوطالية التقليدية كخاصية ضمنية في الأجسام الثقيلة، كما يقول في النص الآتي:
” الجسم الثقيل هو الجسم الذي يتحرك بواسطة قوة ضمنية، وبشكل ثابت، بإتجاه مركز العالم. إنه لمن الكافي القول: أني أعني أن الجسم الثقيل هو الجسم الذي لديه قوة تحركه بإتجاه النقطة المركزية، وبشكل ثابت بإتجاه المركز، ودون أن يتحرك من قبل هذه القوة في أي إتجاه مختلف؛ وهذه القوة المرجعية هي ضمنية في الجسم، لا تشتق بدونه، ولا تنفصل عنه”.
بالاعتماد على النقطة الأساس بأن الهواء يصبح أكثر كثافةً عندما يكون أقرب إلى مركز الأرض (مشتق من قاعدة أرخميدس)، وأن وزن الأجسام الثقيلة يزداد كلما ابتعد عن مركز الأرض (مشتق من نظريات الكوهي وابن الهيثم بأن الوزن يختلف باختلاف بعد المسافة عن مركز الأرض)، برهن الخازني على أن الجاذبية الأرضية لجسم تختلف باختلاف بعد المسافة عن مركز الأرض، كما يقول في النص الآتي:
” لكل جسم ثقيل معروف الوزن وموضوع على مسافة معينة من مركز العالم، فإن جاذبيته الأرضية تعتمد على تأثيره عن بعد من قبل مركز العالم. لهذا السبب، تعتمد الجاذبية الأرضية للأجسام على المسافات التي تبعد بها عن مركز العالم. حيث انه كلما ازداد بعد الجسم عن مركز العالم، أصبح أكثر ثقلاً؛ وكلما اقترب من مركز العالم، أصبح أخف ثقلاً”.
معلومات شخصية | |
---|---|
الميلاد | 1115م تركمانستان |
تاريخ الوفاة | 1155م |
مواطنة | الدولة السلجوقية |
الحياة العملية | |
أعمال | اختراع الآلات العلمية، والساعة المائية |
مشرف الدكتوراه | عمر الخيام |
تعلم لدى | عمر الخيام مصطفى الأصفزاري |
المهنة | عالم مسلم |
مجال العمل | الفلسفة والرياضيات الفيزياء والكيمياء والأحياء |
أعمال بارزة | ألّف كتاب الحكمة، ووضع الموائد السانجارية في زيجه |
تأثر بـ | أرخميدس، وأرسطو، وأبو الريحان البيروني، والرازي، والكوهي، وابن الهيثم، وعمر الخيام |
أثر في | إسحق نيوتن، وروجر باكون |
كما أنه يظهر ماذا أراد الخازني بمعنى الجاذبية الأرضية (الكلمة مرادفة لكلمة الثقل في اللغة العربية) وكلا الكلمتين لهما نفس الفكرة في المبدأ الحديث لطاقة الوضع الأرضية ومتجه القوة نسبة إلى نقطة (وكلا المعنيين تم اشتقاقهما من الكوهي وابن الهيثم). في إحدى الحالتين، أظهر الخازني أنه أول من اقترح أن الجاذبية الأرضية لجسم يختلف باختلاف بعد المسافة عن مركز الأرض. في أول إحساس له لكلمة (الجاذبية الأرضية)، إلا أن المبدأ لم يتم الأخذ به بعين الاعتبار مرةً أخرى حتى جاء نيوتن بقانون الجذب العام في القرن الثامن عشر للميلاد. ولكن في ثاني إحساس له بالكلمة، تم الأخذ بالمبدأ بعين الاعتبار مرةً أخرى من قبل جوردانوس دي نيمور في القرن الثالث عشر للميلاد.
إنجازاته
يبدو أن عبد الرحمن الخازني كان يحظى بمكانة رفيعة في بلاط السلاطين السلاجقة وربَّما كان مسؤولاً حكومياً في عهد سنجار بن ملكشاه، حيث تولى مهمة إدارة المكتبات الحكومية في مدينة ميرف ، أشهر أعماله: كتاب ميزان الحكمة، رسالة حول الحكمة الفلكية، والجداول الفلكية لسنجار.
يعتبر كتاب ميزان الحكمة أبرز أعمال الخازني وأكثرها تأثيراً، وهو عبارة عن موسوعة لعلم الميكانيك في القرون الوسطى تتألف من ثمانية كتب وخمسين فصلاً ، يشمل هذا الكتاب دراسات عن التوازن الهيدروستاتيكي للسوائل، كما أنها تغطي مواضيع فيزيائية متفرقة أخرى ، يوجد اليوم أربع مخطوطات مختلفة من كتاب ميزان الحكمة تختلف فيما بينها اختلافاً بسيطاً، وقد استخدمت الكثير من الأفكار الواردة في هذه الموسوعة في صناعة أجهزة وآلات معقدة في مدينة سنجار، وباستخدام القوانين التي وضعها الخازني في كتابه كان عمَّال السلطان يستطيعون تمييز الذهب والأحجار الكريمة الحقيقية واكتشاف التزوير في العملات ، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ الخازني أورد في موسوعته الكثير من الأمثلة المقتبسة من القرآن الكريم في محاولة منه للتوفيق بين العلم والدين .
أنهى الخازني تأليف موسوعته سنة 1121، ومازال هذا الكتاب إلى اليوم يعتبر أحد أهم إنجازات الحضارة الإسلامية في علم الفيزياء، فبالإضافة للأبحاث الهامة التي احتواها حول الحركة وتوازن السوائل وقوى الاحتكاك ووصف دقيق لأجهزة وآلات مخبرية صنعها الخازني بنفسه أو أخذها عن علماء اليونان وعلماء المسلمين الذين سبقوه، برز في الموسوعة أيضاً الطريقة العلمية التجريبية والاعتماد على الحساب الكمي وهو الأمر الذي كان الخازني سبَّاقاً فيه في الحضارة العربية الإسلامية.
في الفصول الثمانية الأولى من الكتاب يناقش الخازني نظريات العلماء المسلمين الذين سبقوه كالرازي والبيروني، وينتقد فشل علماء اليونان في التمييز بين مفاهيم فيزيائية بسيطة كالقوة والكتلة والوزن، وعرَّف العديد من المصطلحات العلمية بوضوح كالوزن النوعي “الكثافة”، وسجَّل بدقة الأوزان النوعية لعشرات المواد بعد إجرائه للعديد من التجارب المخبرية عليها، وأكَّد أنَّ كثافة الماء والهواء تختلف بحسب بعدهما عن مركز الأرض، ويظهر في الكتاب أيضاً معرفة الخازني بمفهوم الجاذبية والتي عبر عنها “بالثقل” ويُعتقد أنَّ الخازني كان من أوائل القائلين بأنَّ الجاذبية الأرضية تختلف باختلاف البعد عن مركز الأرض وهو الأمر الذي تمَّ تأكيده على يد علماء عصر النهضة في أوروبا وعلى رأسهم إسحق نيوتن.
أما كتابه رسالة حول الحكمة الفلكية فهو كتاب صغير نسبياً يتألف من سبعة أجزاء وكل جزء مخصص للحديث عن جهاز أو أداة علمية مختلفة، وتشمل هذه الأدوات أجهزة للتنجيم والرؤية وانعكاس الضوء والألوان، أما جداول الخازني الفلكية التي وضعها لمدينة لسنجار فشملت جداول للصيام والحج والأعياد ومواقيت الصلاة، ويقال إن هذه الجداول تحتوي على خطوط الطول والعرض لثلاثة وأربعين نجماً مختلفاً مع تقدير أحجامهم ومداراتهم، ويعتقد أنَّ حسابات الخازني الفلكية قد أجريت في عدة مراصد في مدينة ميرف باستخدام أدوات رصد متطورة جداً بالنسبة لذلك العصر .