كيف ستكون الحرارة على سطح الأرض بعد أربعين سنة، يبدو هذا السؤال بسيطاً جدًا ولكن بالنظر إلى إجاباته المتكررة نرى أن جميعها غير وافية، حيث تكون إجابات علماء الطقس عليها عادة أن كوكب الأرض سيسخن بمعدل 1.5 إلى 4.5 درجة مئوية وذلك من خلال مضاعفة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عما كان عليه قبل المراحل الصناعية، وهذا المعدل المتوقع يشمل جميع الاحتمالات بدءًا بمجرد الارتفاع المثير للقلق منتهيًا بالارتفاعات التي قد تؤدي إلى الكوارث.
ولكن الآن وبجهد 25 عالمًا تم تضييق نطاق البحث ذلك عن طريق إيجاد العامل الحاسم والذي يُدعى بـ “الحساسية المناخية”، تم إجراء هذه الدراسة في إطار البرنامج العالمي لبحوث المناخ (WCRP) وتم نشرها هذا الأسبوع في مجلة Geophysics. يعتمد التقييم في هذه الدراسة على ثلاث جوانب من الأدلة وهي كالآتي: الاتجاهات التي يشير إليها الاحتباس الحراري الحالي، وتوفر أحدث فهم وإدراك ردود الفعل المناخية الفردية التي بدورها تبطئ أو تسرّع تغير المناخ، وأخيرًا استخلاص المعلومات من المناخات القديمة.
أحد المؤلفين وعالم الطقس شيروود في جامعة نيو ساوث ويلز ذكر أن هذه الدراسة تتوقع معدل ارتفاع حراري بين 2.6 إلى 3.9 درجة مئوية وذكر أيضُا أن هذا الرقم بدوره بتحكم بمدى المخاطر الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي في المستقبل.
ومن الجدير ذكره أن أحد علماء وكالة ناسا أثنى على هذه الدراسة قائلا :”هذه الدراسة تعد ثمرة عقود من التقدم في علوم المناخ ، وهي دراسة مثيرة للإعجاب وشاملة”.
وصلت البشرية بإبعاثها لثاني أكسيد الكربون إلى منتصف الطريق من نقطة التضاعف 560 جزء بالمليون وستبلغ الأرض هذا الحد حسب العديد من سيناريوهات الانبعاثات بحلول عام 2060 . وبدوره قام هذا البحث بالتشديد على المخاطر المحتملة على إثر هذا السياق مستبعدًا المراحل المعتدلة من الاحترار ويتنبأ العلماء أن القادم لن يكون أفضل .
تم تصميم البرنامج العالمي للبحوث المناخية (WCRP) لاستخدامه من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة عندما تنشر تقريرها الرئيسي التالي في عام 2021 أو 2022.
سيقدم هذا التقدير معلومات عن توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر والضرر الاقتصادي وغيرها من المعلومات الضرورية .أتبع أحد العلماء أن وجود صورة أوضح للعواقب الناتجة عن الانبعاثات الزائدة يمكن أن يحفز الكثير من الحكومات المحلية على خفض تلك الانبعاثات والتكيف مع الاحترار وتناقص الغموض من الممكن أن يحفز المزيد من السلطات القضائية على التصرف.
وتبدد هذه الدراسة الغموض من قبل نماذج المناخ الأخيرة التي كانت تُستخدم تاريخيًا لتقدير حساسية المناخ – بداية في عام 1979- مع أول تقييم شامل في العالم لتغير المناخ الناتج عن ثاني أكسيد الكربون. في ذلك الصيف جاء العلماء ببحث- عرف منذ ذلك الحين بتقرير تشارني- تنبأ بارتفاع في درجة الحرارة يتراوح بين 1.5إلى 4.5 درجة مئوية من خلال مضاعفة ثاني أكسيد الكربون.وبقيت هذه الأرقام عالقة لفترة أطول بكثير مما كان يتصور أي شخص حيث استمرت حتى إصدار أحدث تقرير ل IPCC عام 2013 .
وعلى عكس النماذج القديمة تعرض لنا التقديرات الحديثة أن معدلات ازدياد الانبعاثات ربما تكون عالية جدا وأن الحرارة في ازدياد سريع. ويتنبأ العلماء بوصول الاحترار إلى أكثر من 5 درجة مئوية لتضاعف ثاني أكسيد الكربون من خلال طريقة رصدهم للسحاب خاصة المحلق فوق المحيط الجنوبي. وعلى إثر ذلك تبذل هذه النماذج الحديثة كل ما بوسعها لرصد مناخ القرن العشرين بدقة و تقويض مصداقية النماذج السابقة هذا بالإضافة إلى دورها المهم في التقييم الجديد للمناخ.
تم إنشاء دراسة WCRP عام 2015 حيث كان مشاركيها غير راضيين عن عمليات الIPCC وكان لديهم الرغبة في معرفة الكيفية التي تحدد بها الآليات الفيزيائية معدل نطاق الحساسية المناخية.
أول ما نظرت إليه هذه الدراسة من الأدلة كان الاحتباس الحراري المعاصر حيث أنه منذ بدء حفظ السجلات في القرن التاسع عشر ارتفع متوسط درجات الحرارة السطحية بمقدار 1.1 درجة مئوية وعلى فرض الاستمرار بهذا الاتجاه من الارتفاع بالمستقبل سيقود إلى ارتفاع الحرارة لأدنى درجة من معدلات الارتفاع المذكورة مسبقًا . ولكن الملاحظات الأخيرة أثبتت أن الارتفاعات في درجة الحرارة للأرض غير منتظمة على سبيل المثال أجزاء شرق المحيط الهادي بالكاد لمسها الاحترار وذلك بسبب ارتفاع المياه الباردة من الاعماق وامتصاصها الحرارة. ولكن في نهاية المطاف، تشير سجلات المناخ القديم إلى أن هذه المياه ستصبح دافئة وبالتالي سيتم القضاء على المشتت الحراري هذا بالإضافة إلى تحفيز تكون السحب فوقها الأمر الذي بدوره يزيد من من الاحتباس الحراري ونتيجة لذلك سيتم استبعاد تقديرات تخفيض الحساسية المناخية.
وثاني ما اعتمدت عليه هذه الدراسة في بحثها هو فحصهم لردود الفعل المناخية الفردية.على سبيل المثال تم فحص تأثير الاحترار لبخار الماء والتي من المعلوم أنها ستشكل الغيوم وهذه الغيوم بدورها تحدد تبريد الكوكب أو تدفئته تبعًا لطريقة عكسها لأشعة الشمس والحرارة المحبوسة والتي كانت منذ فترة طويلة ورقة جامحة. على وجه الخصوص يريد علماء المناخ فهم أسطح السحب الطبقية التي تتكون قبالة السواحل حيث أنها في حال أصبحت أكثر اتساعًا في ردة فعلها للاحترار فقد يكون لها تأثير التبريد كما يعتقد البعض.
قبل عدة سنوات ، رصدت مجموعة من النماذج السحابية عالية الدقة اثنتين من ردود الفعل التي سيكون لها تأثير معاكس ، سحب رقيقة واحترار أوسع. في هذه النماذج ، سمحت درجات الحرارة المرتفعة لمزيد من الهواء الجاف اختراق السحب الرقيقة من الأعلى ، مما منعها من التكاثف. في الوقت نفسه ، احتجزت مستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون الحرارة بالقرب من قمم الغيوم ، مما خفف من الاضطراب الذي يدفع إلى تكوين المزيد من الغيوم. لاحظت الأقمار الصناعية منذ ذلك الحين هذه الديناميكيات في الأجزاء الأكثر دفئًا من المتوسط في الغلاف الجوي. يقول ثورستن موريسين ، عالم المناخ في جامعة ستوكهولم: “هناك إجماع متزايد على أن ردود الفعل [السحابية] إيجابية ، لكنها ليست كبيرة جدًا.
و أخيرًا ، نظر الفريق في سجلات من مناخين سابقين – منذ 20000 عام ، في ذروة العصر الجليدي الأخير ، وفترة دافئة قبل 3 ملايين سنة والتي كانت فيها مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مماثلة لمستويات اليوم. تشير الأبحاث الاخيرة إلى أن حساسية المناخ ليست خاصية ثابتة للكوكب و تتغير بمرور الوقت.على سبيل المثال ، خلال الفترات الدافئة يؤدي غياب الصفائح الجليدية إلى زيادة الحساسية. وعلى إثر ذلك تمكن فريق البحث من خلال سجلات درجات الحرارة القديمة ومستويات ثاني أكسيد الكربون من تحديد ماهية الحساسيات البالغة 2.5 درجة مئوية و 3.2 درجة مئوية في الفترات الباردة والدافئة على حد سواء.
يعتبر تجميع خطوط الأدلة الثلاثة مهمة ضخمة لكن الربط بينهما للتنبؤ الموحد كان أكثر صعوبة وعلى إثر ذلك استخدم الفريق إحصاءات بايزي- وهي عبارة عن نظرية تعبر الاحتمال عن درجة معينة من الاعتقاد في حدث ما ، والذي يمكن أن يتغير كلما تم جمع معلومات جديدة، بدلاً من قيمة ثابتة تعتمد على التردد أو الميل – لتمرير بياناته المجمعة ، سمحت هذه الإحصائية باختبار كيفية تأثير افتراضاتهم على النتائج.
يمثل المعدل النهائي فاصل ثقة بنسبة 66٪ ، بحيث يطابق معدلات الـ IPCC.
وقام فريق WCRP بالتوصل إلى فاصل ثقة بنسبة 90٪ ، والذي يتراوح من 2.3 درجة مئوية إلى 4.7 درجة مئوية ، مما يترك فرصة طفيفة لارتفاع درجة الحرارة فوق 5 درجات مئوية.
في السنوات الأخيرة ، تضاءلت حالة الغموض مرة أخرى في مستقبل المناخ أيضًا: يبدو من غير المحتمل أن تصل الانبعاثات العالمية إلى أسوأ السيناريوهات التي ساعدت الـ IPCC في صياغتها قبل 15 عامًا ، مستبعدة بعض توقعات الاحترار الشديد. يقول ريتو كنوتي ، المؤلف المشارك وعالم المناخ في ETH زيوريخ: “نحن متقدمون بسنوات ضوئية عن المكان الذي كنا فيه عام 1979”.ولكن لسوء الحظ ، فإن سنوات العمل اللازمة لتحقيق ذلك اليقين جاءت بتكلفة: 4 عقود من الانبعاثات الإضافية والاحترار العالمي ، بلا هوادة