وفقا لدراسة جديدة فإنه أصبح بالإمكان تحسس المادة المظلمة في العوالم الغريبه التي تدور حول النجوم المركزية البعيدة، كما نعلم يُعد هذا الشكل غير واضح الملامح للمادة واحدًا من أكثر الجوانب غموضًا في علوم الفلك الحديثة، إذ يُعتقد أن المادّة المظلمة تُشكل 80% من مادة الكون، وهي غير مرئية تمامًا ويمكن اكتشافها فقط عبر قوة جذبها الطفيفة للأجسام المحيطة بها لكن في بعض الحالات بإمكانها أن تستقر داخل قلب أحد الأجرام الضخمة محررةً الطاقة على هيئة حرارة.
يروج اثنان من علماء الفلك في الوقت الحالي لبرنامج بحث جديد جريء لتحويل بحثنا الواسع عن الحياة خارج الأرض إلى مطاردة المادة المظلمة الغامضة في الكون.
الظلام الحالك:
نحن نعرف القليل جدًا عن ماهية المادة المظلمة، بخلاف ما هو موجود حاليًا من معلومات حيث لاحظت عالمة الفلك فيرا روبن في سبعينيات القرن الماضي، شيئًا طريفًا حول طريقة دوران المجرات، إذ رأت أن النجوم تدور حول مجراتها بسرعة هائلة، نظرًا إلى كمية المادة المرئية الموجودة وبعد إضافة تأثير قوة جاذبية جميع ما نشاهده من أجرام في المجرة؛ فإن المجرات التي هيأت روبن تلسكوباتها لرصدها على ضوء السرعة الدورانية المرصودة لعملية الرصد هذه، يُفترض أنها مزقت نفسها قبل لحظة الرصد بمليارات السنين.
تراكمت المزيد من الألغاز خلال العقود التي تلت اكتشافات روبن للغاز داخل العناقيد المجرية شديد الحرارة، والمجرات المتحركة بسرعة كبيرة، ووجود عدد كبير جدًا من الأجرام كبيرة الحجم مقارنة بعمر الكون، وكون الإشعاع المتبقي من بدايات الكون غير دقيق، إذ لا يمكن تفسيره بالمادة العادية وحدها، وحقيقة أن الضوء القادم من المجرات الخلفية البعيدة ينحني بشدة عند مروره بالقرب من التجمعات النجمية الضخمة، والقائمة تطول.
لكن إجابة واحدة فقط هي ما توصلنا له؛ لتفسير كل عمليات الرصد هذه يجب أن يمتلك الكون بعض المحتويات غير المرئية، هذه المحتويات هي نوع من أنواع المادة لأنها تمتلك جاذبية ويمكنها الاندماج مع بعضها، لكنها لا تتفاعل مع الضوء أو المادة الاعتيادية بأي طريقة، تُعرف هذه المادة باسم المادة المظلمة.
وفقًا للمحاكاة الحاسوبية للعناقيد المجرية العظيمة -مهما كانت ماهية المادة المظلمة- نتوقع أن تكون المادّة المظلمة أكثر تكتلًا باتجاه مركز المجرات وأن يقل هذا التكتل عمومًا كلما ابتعدنا عن مركز تلك المجرات. إن هذا الاختلاف في كثافة المادّة المظلمة على امتداد المجرة، هو الأمر الذي قد يساعد الفلكيين على تشخيص هذه المادة الغامضة؛ فامتلاكنا مستكشفات ضخمة للمادة المظلمة سيكون أمرًا عظيمًا.
مستكشفات بحجم الكواكب:
وفقًا لما نشره باحثون في أكتوبر في موقع arXiv فإن مستكشفات المادة المظلمة تنتشر بالفعل في مجرة درب التبانة، ونحن نشاهد كل عام الآلاف منها تدور حول النجوم المركزية البعيدة. قد تكون هذه المستكشفات كواكب خارجية أو عوالم غريبة خارج نظامنا الشمسي، نرصدها بواسطة تلسكوب كبلر الفضائي وقمر TESS الصناعي المُصمَّم لرصد الكواكب الخارجية العابرة.
في الواقع، إن آلاف الكواكب الخارجية المؤكدة المعروفة حتى الآن لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من جميع العوالم المحتمل وجودها حيث أنه بالنسبة لمجرة درب التبانة وحدها، تتراوح تقديرات العدد الحقيقي للكواكب الخارجية من 300 مليار إلى 1 تريليون.
نادرًا ما تتفاعل المادّة المظلمة مع المادة العادية أو حتى مع نفسها، وعندما تتفاعل، فإنها تفعل ذلك بواسطة تفاعل يتضمن القوة النووية الضعيفة، وهي ضعيفة بصورة لا تُصدَّق. ففي كل مرة تقريبًا تحدث فيها مواجهة بين جسيم المادّة المظلمة وجسيم المادة العادية فإنهما ينزلقان ببساطة على بعضهما دون أي تفاعل، أو حتى شرارة تفاعل خاطفة.
لكن في بعض الأحيان النادرة، تتفاعل المادة المظلمة مع المادة العادية، ما يسمح لجسيم المادّة المظلمة بتمرير بعض طاقته إلى جسيم المادة العادية، الأمر الذي يبطئ جسيم المادّة المظلمة في هذه الحالة.
هذه التفاعلات شائعة في حالتين هما: وجود تركيز كبير وكثيف للمادة العادية التي تعمل مصيدةً جاذبةً للمادة المظلمة، أو في حالة وجود نسبة كبيرة من المادة المظلمة التي تطفو في الفضاء.
هذه المعايير يمكن توفرها في الكواكب الخارجية قرب مركز مجرتنا؛ فتركيز المادة المظلمة في هذه المناطق أكثف بكثير من باقي المناطق المحيطة بالنظام الشمسي.
بإمكان الكواكب الكبيرة -بحجم كوكب المشتري وأكبر- أن تجمع جسيمات المادة المظلمة في مركزها. ويمكنها فعل ذلك بتأثير قوة جاذبيتها، ففي البيئات ذات الكثافة العالية باستطاعة المادة العادية أن تجذب المادة المظلمة نحوها ساحبة إياها نحو مركزها، ولا تكتفي هذه التفاعلات بإبطاء سرعة المادّة المظلمة فقط، بل إنها تؤدي إلى تسخين الكوكب.
وفي بعض الأحيان، قد تتفاعل جسيمات المادّة المظلمة مع بعضها مهلكة بعضها عبر ومضة قصيرة من الطاقة. ستكون هذه الطاقة ضعيفة للغاية لدرجة أنها لا تمكن رؤيتها مباشرة، ولكن على مدار مليارات السنين، قد تساهم الومضات المستمرة الناتجة من تفاعلات لا حصر لها في إضافة مصدر للحرارة على الكوكب.
خلاصة هذا البحث هو أنه قد تتعرض الكواكب القريبة لمركز المجرة إلى قدر عالٍ من الحرارة بتأثير المادة المظلمة، ما يؤدي لارتفاع درجة حرارتها آلاف الدرجات ولاختبار هذه العملية، نحتاج إلى قياس درجة حرارة الكثير من الكواكب الخارجية. لحسن الحظ، لهذا السبب بالضبط أُنشِأ تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي من المقرر له أن يصل الفضاء في أكتوبر من العام 2021 ، لاحظ الباحثون أن هذا التلسكوب الفضائي يمتلك حساسية كافية لتسجيل درجات حرارة الكواكب الخارجية وللبحث عن طريق أقرب نقطة من مركز المجرة.
فإذا كان تأثير المادة المظلمة حقيقيًا، يجب أن نكون قادرين على رؤية ارتفاع ملحوظ في درجات حرارة الكواكب الخارجية كلما اقتربت من مركز مجرتها،في حال نجاح هذه الدراسات سيكون ذلك أول اكتشاف غير جذبي للمادة المظلمة على الإطلاق.
و في خضم عملية البحث هذه عبر الكواكب الخارجية، قد نكتشف حياة في عالم آخر، ما سيكون إضافة رائعة