في كل ليلة في المريخ ، عندما تغادر الشمس وتنخفض درجة الحرارة إلى 80 درجة فهرنهايت تحت الصفر وأقل تنتشر ظاهرة غريبة في سماء المريخ : حيث ينتشر وهج تم إصداره نتيجة التفاعلات الكيميائية على بعد عشرات الأميال فوق سطح الكوكب الأحمر.
لكن في حال وقف أي رائد فضاء على سطحه لن يتمكن من رؤية هذا الوهج الليلي، وذلك لأنه يظهر فقط عن طريق الأشعة فوق البنفسجية. سيمكّن الوهج الليلي في يوم من الأيام مساعدة العلماء على التحليل الدقيق لتمخض الغلاف الجوي المعقد بشكل مدهش للمريخ بشكل أفضل.
من خلال هذه الرسوم المتحركة للبيانات المأخوذة من مركبة مافن نستطيع رؤية الغلاف الجوي للمريخ النابض والمتوهج بوضوح حيث يُظهر لنا هذا اللون المكوّن من الأخضر والأبيض الضوء المعزز للوهج الليلي للغلاف الجوي المريخي، والذي تم قياسه بواسطة مطياف مافن للتصوير فوق البنفسجي على ارتفاع حوالي 70 كم (حوالي 40 ميلاً).
تمت إضافة عرض محاكاة للمريخ، مع وجود طبقة جليدية مرئية في القطبين. خلال الدورة الواحدة للمريخ يظهر هذا الوهج الليلي الفريد ثلاث مرات لكن يكون بالمرة الاولى أكثر سطوعًا من المرات الأخرى. وهذه التوهجات الثلاثة تبدأ بالسطوع بعد غروب الشمس بقليل مباشرة بالظهور في الجانب الأيسر لهذا الكوكب.
تحدث هذه النبضات بسبب الرياح المتجهة نحو الأسفل والتي تعزز التفاعل الكيميائي مما ينتج عنه أكسيد النيتريك الذي يسبب التوهج، وتشير هذه البيانات التي تم تجميعها بواسطة مركبة مافن المريخية إلى أن هذا التوهج يحدث في كل ليلة.
في دراسة نُشرت في وقت سابق من هذا الشهر في مجلة البحوث الجيوفيزيائية: فيزياء الفضاء ، بذل العلماء كل ما بوسعهم لفهم هذه الظاهرة وبالاعتماد على بيانات من مركبة الفضاء الخاصة بدراسة التطورات المتقلبة للغلاف الجوي المريخي (MAVEN) التابعة لوكالة ناسا تمكنوا من رسم خريطة توهج الكوكب الليلي بتفاصيل أكبر من أي وقت مضى.
أشارت هذه الدراسة إلى تأرجح هذا الوهج وبروزه خلال مواسم المريخ المختلفة ،هذا بالإضافة إلى اكتشاف العلماء لبقعة مضيئة غريبة تظهر في الغلاف الجوي للكوكب فوق خط الاستواء مباشرة مما دفع أحد العلماء للتوصل إلى أن المريخ لا يزال يحمل لنا العديد من المفاجآت، هذا بالإضافة إلى توصلهم إلى أن الغلاف الجوي للمريخ معقد و زاخر بالمعلومات كالغلاف الجوي للأرض .
الصورة الكاملة:
لم تكن مافن أول مركبة فضائية ترصد الوهج الليلي الذي يظهر في سماء المريخ وذلك لأنه يعزى الاكتشاف الاول لمثل هذه الظواهر إلى مهمة اكتشاف المريخ التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والتي دخلت مدار الكوكب الأحمر عام 2003، لكن مهمة مافن كانت الأولى التي تلتقط وهج الليل كظاهرة ديناميكية تتطور باستمرار حيث أنه لم تتمكن أي مهمة من التقاط مثل هذه الصورة الكاملة خمس مرات في اليوم أثناء دوران الكوكب إلا بعد ظهور مافن في عام 2014.
في الدراسة الجديدة، استخدم الباحثون مطياف التصوير بالأشعة فوق البنفسجية (IUVS) من مافن – وهي أداة تم تصميمها وبناؤها في LASP – لالتقاط صور للمريخ من مسافة 3700 ميل. وبدورها تلك التسجيلات البعيدة للفريق أتاحت الفرصة للعلماء بتتبع مسار الوهج الليلي أثناء تحركه عبر الكوكب بأكمله.
وتم التوصل إلى أن هذه الظاهرة الغريبة تحدث عندما تهبط التيارات الهوائية العالية في الغلاف الجوي للمريخ إلى حوالي 40 ميلاً فوق سطح الكوكب. وبالتالي تتحد ذرات النيتروجين والأكسجين المنفردة في الغلاف الجوي لتكوين جزيئات من أكسيد النيتريك ، مما ينتج عنه دفعات صغيرة من الضوء فوق البنفسجي خلال هذه العملية.
البقع المضيئة:
من الجدير ذكره أنه يمكن أن يتغير نشاط هذه البقع المضيئة مع تغير المواسم. على سبيل المثال، وجد فريق مافن أن الوهج الليلي للمريخ يبدو أكثر سطوعًا في ذروة فصول الشتاء الشمالية والجنوبية للكوكب عندما تندفع التيارات الأكثر حرارة بعيدًا عن خط الاستواء باتجاه قطبي المريخ.
ووجد أحد العلماء بقعة شديدة السطوع أثناء التوهج الليلي ظهرت واختفت تقريبًا عند خط طول أعلى من 0 درجة وخط عرض 0 درجة على سطح المريخ.
لا يزال الباحثون غير متأكدين من سبب توهج المريخ الغير عادي في تلك البقعة – لكن قد يكون له علاقة بشكل التضاريس الموجودة تحتها.
لكن أحد العلماء أشار إلى أن مثل هذه الظواهر الغريبة يمكن أن تساعد العلماء على تطوير نماذج الكمبيوتر الخاصة بهم حول معرفة طبيعة الغلاف الجوي للكوكب.
وهذا قد يقودهم إلى إنشاء تقارير طقس أكثر دقة لكوكب المريخ، وعلى إثر ذلك يمكن نسخ نفس نماذج الكمبيوتر العملاقة للتنبؤ بالطقس التي يستخدمها العلماء في الأرض للمريخ وجميع الكواكب الأخرى.