تحتوي مجرة درب التبانة على أكثر من 100 مليار نجم، لكنها لم تأتِ بها جميعًا من داخلها، فما لا يقل عن 12 مرة، وعلى مدى الـ12 مليار سنة ضوئية الماضية، اصطدمت مجرة درب التبانة بمجرة مجاورة وابتلعت نجومها.
ومع كل اندماج مجري حدث، تغير شكل وحجم وحركة مجرتنا إلى الأبد، لتصبح في النهاية الشكل الحلزوني الأيقوني الذي نعرفه اليوم.
كشفت دراسة حديثة نُشرت في عدد أكتوبر 2020 من مجلة الإخطارات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية، عن محاولة الباحثين في حل ودراسة هذا الأمر باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI)، لمطابقة مجموعات متميزة من النجوم حسب أعمارها وحركاتها وتركيباتها الكيميائية.
ووجد الفريق دليلًا على 5 عمليات اندماج مجرية واسعة النطاق (تضم كل منها 100 مليون نجم أو أكثر)، يعود تاريخها إلى أكثر من 10 مليارات سنة، بما في ذلك اصطدام قديم لم يتم وصفه من قبل.
وقال مؤلفو الدراسة، إن هذا الاصطدام المكتشف حديثًا مع ما يسمى بمجرة كراكن “Kraken”، لا يساعد فقط في ملء شجرة العائلة الغامضة لمجرة درب التبانة، بل يمكن أيضًا أن يساعد علماء الفلك في تجميع شكل مجرتنا في أيامها الأولى.
وأضاف مؤلف الدراسة الرئيسي “ديدريك كرويسين”، عالم الفلك في جامعة هايدلبرج بألمانيا، في بيان: “لابد أن التصادم مع كراكن كان أهم اندماجا شهدته مجرة درب التبانة على الإطلاق، والاندماج مع كراكن Kraken حدث منذ 11 مليار سنة، عندما كانت مجرة درب التبانة أقل حجمًا بأربعة أضعاف مما هي عليه اليوم، ونتيجة لذلك، لابد أن الاصطدام قد غيَّر شكل مجرة درب التبانة في ذلك الوقت حقًا”.
وفي دراستهم الجديدة، استخدم كرويسين وزملاؤه، المحاكاة الحاسوبية لتحليل جميع العناقيد الكروية المعروفة والمجالات القديمة والكثيفة لما يصل إلى مليون نجم والتي تشكلت جميعها في نفس الوقت تقريبًا داخل مجرة درب التبانة، و تستضيف مجرتنا حاليا ما لا يقل عن 150 من هذه العناقيد، والتي يعتقد علماء الفلك أنها “أحافير” من المجرات القديمة التي التهمتها مجرة درب التبانة خلال تاريخها الطويل والجائع.
وقام الباحثون بتدريب خوارزمية ذكاء اصطناعي لتحديد العناقيد الكروية بناءً على الخصائص المشتركة للنجوم، وفي البداية قاموا بتشغيل الخوارزمية على آلاف المجرات المحاكاة.
وبمجرد أن تمكنت الخوارزمية من التنبؤ بدقة بتكوين وتطور وتدمير المجموعات الكروية في تلك المجرات الخيالية، أطلق الفريق الذكاء الاصطناعي الخاص بهم على درب التبانة.
وباستخدام البيانات التي حصل عليها مسبار جايا الفضائي (الذي أعطانا الخريطة الأكثر اكتمالا لمجرة درب التبانة)، حللت الخوارزمية الأعمار والحركات والتركيبات الكيميائية للعناقيد الكروية المعروفة في مجرتنا من أجل إعادة إنشاء الاندماجات الكونية التي هبطت بها هناك.
وتوقع تحليل الفريق بدقة أربع عمليات اندماج معروفة في ماضي مجرة درب التبانة – بما في ذلك ما يسمى بدمج Gaia، الذي أضاف عدة مليارات من النجوم إلى مجرتنا منذ حوالي 9 مليارات سنة، بالإضافة إلى اندماج كراكن Kraken غير المعروف سابقًا.
وكان هذا الاندماج وحشا، وربما كان كراكن Kraken هو أكبر وأقدم تصادم مجري في تاريخ مجرة درب التبانة، فقد حدث الاندماج عندما كانت مجرة درب التبانة جزءًا صغيرًا فقط من حجمها الحالي، وربما أضافت إلى مجرتنا 13 عناقيد كروية لا تزال قابلة للتحديد حتى اليوم، في حين أن اندماج Gaia أضاف في النهاية المزيد من الكتلة الشمسية إلى مجرة درب التبانة (أكثر من 20 عنقودًا كرويًا)، ومقارنة بمجرة كراكن Kraken، كانت مجرتنا أكبر بكثير عندما حدث اندماج Gaia ، وكانت على الأرجح أقل عرضة للتغييرات الهيكلية الرئيسية.
ويعد هذا الاندماج المكتشف حديثًا، ليس سوى قطعة صغيرة واحدة من أحد الألغاز الكبيرة، نظرًا لأن الطريق إلى تكوين المجرات مليء بتصادمات مثل هذه، فمن المحتمل أن العديد من عمليات الاندماج الصغيرة قد ساهمت أيضًا في تطور مجرة درب التبانة إلى الشكل الذي نراه عليها اليوم.